عشوائية

أتساءل: ما الذي تفعله امرأة تشعر انها بالصدفة، بالصدفة المحضة، بقيت على قيد الحياة؟ كيف تسلك في الدنيا إن كان وجودها، كل السنين والشهور والأيام واللحظات الحلوة والمُرّة التي عاشتها، فضلَة حركة عشوائية لقدر غريب؟ كيف تسلك في الدنيا؟"


د. رضوى عاشور

Wednesday, September 21, 2011

تلك الصباحــات المبــهجــة

"أصل الصبح دا ليه بهجة خاصة
مناقشات الصبح والفطار الصبح وانك تفطري مع حد الصبح
دا موود تاني خالص"
 توقفت عن الإنصات بعد تلك الجملة.. و ان كانت استمرت في الرد على بقية الكلام، إلا ان عقلها قد شرد بعيداً مع صباح مثل ذلك..

يحادثها ذلك الصديق عن بهجات صباحية مع أصدقائه .. أما الآخر فيحادثها عن ابتهاجه هذا الصباح لأنه نجح في حل مشكلة لديه .. ترد على هذا و ذاك و عقلها "معه".. 

تتخيل بهجة أي صباح يبدأ بصوته .. بكلماته .. بوجوده....

تغمض عينيها فتراه قريباً منها .. تكاد تلمسه .. تسمع صوته .. يغشيها ضياء ابتسامته .. 

تراه أمامها .. يحاورها بدلا من هؤلاء الأصدقاء .. يخبرها عن بهجاته الصباحية التي تتلخص في وجودها .. فقط!

تراه يجلس إلى طاولة فطور جهزتها بنفسها .. بعد ان صنع لهما القهوة بيديه .. يرشف منها فيصنع وجهاً مضحكاً لأن القهوة سيئة الطعم لسبب لا و لم يعلمه أي منهما .. يضحكان ملء القلب و يحتسيان الفنجانين حتى الثمالة .. ولا يهم ان كان للقهوة طعم سيء ام لا .. يكفي طعم الكلام بينهما..

تراه يصحبها لتمشية على النيل صباحاً قبل استيقاظ المدينة العتيقة و اختناقها بأنفاس قاطنيها و عوادمهم .. يمشيان متمهلين .. صامتين صوتاً .. صاخبين فكراً .. حتى انهما يضحكان سوياً فجأة .. و ينظران لبعضهما .. فيحتضن يدها بكفه .. و يحملها هي بين عينيه .. و يكملا سيرهما بنفس الصمت و الصخب

تراها تلتف على نفسها كقطة هانئة، تقرقر، تسند رأسها على كتفه و هو يقرأ الجريدة .. فيتلو عليها خبراً سياسيا مضحكاً و  يظلا يضحكان من القلب حتى بعد أن يلقي الجريدة و يضمها إليه أقرب بذراع و بالأخرى يهديها الوردة التي اقطتفها لها خصيصاً قبل الفجر... 

تفيق من أحلامها الصباحية، مبــتــهــجــــة.... 

حاملة ابتسامته على شفتيها.. ملامحه في عينيها .. صوت ضحكته و كلماته مازال يتردد في عقلها .. 

تأخذ شهيقاً عميقاً و هي مبتسمة و نصف مغمضة .. فتعبق رئتيها بعبيره...

تفرك كفيها على سبيل العادة لتزيل عنهما برد مكيف الهواء .. فتجدهما دافئتان من حرارة كفه...

تخرج من مكتبها مبتسمة .. تكاد لا تحملها الأرض من الـــــ 

بـــــهـــــجــــــة

Morning Joy - Amy Chapell

Tuesday, September 20, 2011

صـخــب


تفيق من نوم مؤلم ولكنه - للحظ الحسن - خالٍ من الأحلام، كعادة نوم المواصلات الذي هو فقط إستسلام لرجرجات الركوبة أي كانت لتستشعر معها و بها بعضهاً من هدوء مفتقد.. للدقة، هو استسلام لصخب أعلى من ذلك الذي يدور في رأسها فيمكنها ان تغفو دقائق قليلة و ربما زادت جرعة الحظ الحسن فتمكنت من الظفر بسويعات من النوم الصامت/المصمت...

تفيق من ذلك النوم متجاهلة مواضع الألم الحسي الموزع ما بين الرقبة و الظهر و تلك الكف المخدرة بفعل ضغط الرأس عليها .. لتستفهم سر ذلك الألم النفسي الذي غزا نومها الهاديء فطغى على صخب الركوبة و أجج صخب العقل مرة أخرى فأيقظها!

تعتدل في الكرسي مسلوبة الراحة، مرغمة على التأقلم مع تصميمه، كما هي مرغمة على التأقلم مع ذلك الزخم المفاجيء من الأفكار التي غزت عقلها.. 

ينتابها الرعب من كل تلك الأفكار المتلاحقة، التي عَلا صوتها و غطى حتى على ضجيج المجموعة المصاحبة لها في الركوبة الذين يدّعون طفولة مفقودة و مرح مسلوب بتلك الألعاب المستمرة ليل نهار ... تكاد لا تسمعهم، لا، هي حقاً لا تسمعهم من حدة الضجيج المغلف لعقلها.. 

ولما قررت ان ترفع صوت الموسيقى في آذانها علّها تخفف من وطأة ذلك الصخب .. جاءها الصوت الإفريقي يغني:

One day i'll fly away... Leave all this to yesterday

بهتت لتطابق الصوت المسموع مع الصوت الأعلى في عقلها .. أود الرحيل .. أبداً .. لا  أرغب في الرجوع ولا العودة .. ليس لدي ما اعود إليه سوى مزيد من الصخب .. و الغضب .. و الألم!

أين المفر؟!

تتوارد الأفكار على خاطرها باندفاع كتوارد قطيع جاموس وحشي على مورد ماء بعد موسم الجفاف .. تتدافع فيما بينها بهمجية .. تدهس عقلها دهساً .. تطأ شذرات من روحها في الطريق

تزداد الوطأة على روحها فتفقد ملامحها أي تعبير و تجلس صامتة .. تشعر كأن ضجيج أفكارها مسموع للعالم .. تأسف انهم مضطرون لتحمل ذلك الصخب و تود لو اعتذرت منهم .. تزداد صمتاً

تتسائل: ما كل هذه الوحدة وسط هذا الجمع من الناس؟ و كيف ازدحمت الصحراء بهذا الصخب فلم تهنأ بالهدوء ولو دقيقة واحدة؟ تتشتت ما بين وحدة الصخب و صخب الوحدة فتشعر بعقلها يكاد يذوب و يتساقط من عينيها دمعاً...

تزداد صمتاً.. 

تأتيها تربيتة على الكتف من صديقة تتسائل: "ماذا بكِ؟" .. تبتستم و تتصنع كل ما يمكن تصنعه من حجج و إدعاءات كاذبة و هي تفكر " كم كنت أتمنى لو كنتَ انت من حملت لي تلك التربيتة و ذلك التساؤل!"

يستمريء عقلها، المتمرد عليها اليوم، اللعبة فيتمادى في التساؤلات.. "هل تفتقدينه ام تتسائلين استدعاء لمزيد من الغضب عليه؟"

و يصمت الصخب لوهلة قصيرة جدا .. فلا تكاد تجيب عقلها حتى يلاحقها بسؤال آخر "هل هو حقاً من تفتقدين ام انك توهمين نفسك بذلك؟!" 

تصرخ بشفاة مزمومة "أفتقد الأمل في وَنَسٍ و حميميةٍ مفقودة من قديم الأزل بيني و بين كل من مروا بحياتي، و لم أجد بين يدي إلا حبات رمل الصحراء تسكن خطوط كفي و لوهلة ثم تتركني مرة أخرى وحيدة .. أفقتد شعوراً بالانتماء لا يعلم و لم يعلم عنه أحد شيئاً لأنه لا يمكن لأحد أن يكون سكناً و هو مشرد الروح .. أفتقد ظهراً و سنداً .. أفتقد ذلك الذي لا يجيء أبداً و لا يترك لأحلامي فرصة البحث عن غيره .. أفتقده و اذوب لهفة إليه في ملامح الناس و بين خطوط أكفهم .. تهيم يداي مشردة ما بين كفوف الناس تبحث عن السكن .. تبحث عن المودة .. تبحث عن الرحمة .. ولا أجدها .. هذا ما أفتقد! فكفاك نكئا لجراح أجاهد نفسي كي تندمل" 

و لا يصمت الصخب كطفل عنيد متمرد يأبى الترويض و الاستكانة .. أجاهده يوما او بعض يوم .. عُمراً أو بعض عمْر

أجاهد روحي ألا تبكي .. أن تدعي القوة كعهدها دوماً .. أحثها ألا تنكسر .. 

أرجوكِ يا روح ألا تكوني هشة .. لا تتعلقي بقشة إنسانية تذروها الرياح و لا تملك من أمرها شيئاً .. كل هؤلاء البشر هم قش! لا تنتظري منهم سنداً او سكناً .. فكيف للقش أن يحمي ساكنيه من عواصف الدهر .. كيف للقش أن يسند الظهر؟!

أرجوكِ يا روح ألا تزدادي غضباً و نقمة عليهم .. هم أرواح هائمة .. تنشد السلام و الرحمة .. فقط هم لا يعرفون كيف يمنحوه لبعضهم فيزدادون تيهاً و تشرداً.. و يزدادون تدافعاً على أي سراب قد يبدو للناظرين كماء الرحمة .. لا تنقمي عليهم .. ولا تنقمي على نفسك .. إهدأي و استمسكي بمزيد من الصبر عسى الله أن يقضي أمراً كان مفعولاً
******

رسالة:

كم تمنيت لو كانت كلماتي عنك .. أو إليك .. 
و ها أنا اليوم أكتب عنك و إليك .. ليس بي اليوم غضب عليك رغم الخذلان و الصفعة الحارقة التي مازالت أذني تطن بها و عقلي يردد صداها .. لا أملك سوى دعاء أوجهه لله عساه يتقبله و يسبغه عليك:

"اللهم امنحه سلاماً .. و اجعله سلاماً ..
امنحه سلاماً ينير بصيرته .. فيرى النور بين عينيه .. و بين كفيه .. يهتدي به و يهدي
امنحه سلاماً ليَرضى .. اجعله سلاماً ليُرضي .. امنحه سلاماً ليهدأ.. اجعله سلاماً ليَقوى
اللهم امنحه سلاماً .. و اجعله سلاماً"