عشوائية

أتساءل: ما الذي تفعله امرأة تشعر انها بالصدفة، بالصدفة المحضة، بقيت على قيد الحياة؟ كيف تسلك في الدنيا إن كان وجودها، كل السنين والشهور والأيام واللحظات الحلوة والمُرّة التي عاشتها، فضلَة حركة عشوائية لقدر غريب؟ كيف تسلك في الدنيا؟"


د. رضوى عاشور

Wednesday, May 23, 2012

هلوسات دمية قماش

تُذبَح.. فتنزف... فتذوي... و تموت. ثم تعيش كـ"زومبي".. فتروح و تجيء و تأكل و تشرب و ترتدي أقنعة الضحك و البكاء بحسب المناسبات.. و لا شيء حيّ فيك سوى الألم!

يقبع هناك.. ذكرى وحيدة لا ترتبط بحادث معين... يحرّقك.. يعيد عليك صورة دمك المهدور بتكرار مذل. تحاول تناسيه و إقصاء رائحة الدم عن أنفك.. ثم تتذكر أنك لست سوى "زومبي" لا يملك من الإرادة شيء!

*****

ترى الموجودات من حولك تصطبغ بلون أحمر... فتدرك أن ما يسيل من عينيك ليس دمعاً!!

*****

بعد منتصف الليل بزمنٍ، أسمع صوت مياة جارية.. أفكر: لعل أحدهم يغسل ملابسه أو روحه ليأتي عليه النهار و "هي" نظيفة...

*****

لكل منّا وجهان.. وجه نعرّفه للجميع و آخر نخفيه عن الجميع، غالبا ما يكون قبيحاً و مدعاة للعار... كنت انت ذلك الوجه الذي أخفيته عن الجميع... قبيح، و مدعاة للعار...

*****

و انا أرقب تلك الأجسام الضئيلة الهشة، القابلة للانسحاق بقبضة يد عارية، أدرك كم نحن مثلها، هشّون و قابلون للانسحاق، بل و نستحقه أحياناً كثيرة.. لولا رحمته التي وسعت كل شيء.. حتى "نحن"...

*****

تصطبغ الورقة و الحروف بلون أحمر.. فتدرك أن الذي يجري على الورق ليس حبراً.. و ليس مصدره القلم......

*****

تتدافع الأفكار، الصور، الكلمات، العبارات... فيرتفع معدل نبض الألم لحدٍ خطر.. و لكن الموت لا يأتي... فهو لا يأتي، أبداً، مرتين....

*****

لماذ يقتل البعض و ينتحر البعض الآخر مادامت الكتابة موجودة؟! فهي تتيح القيام بالفعلين معاً، من دون فوضى الدماء و التحقيقات!!

و إن كان ذلك يجعلني أخمن سبباً لانتحار البعض، أو لجوء البعض الآخر إلى القتل.. لابد أنهم كانوا أميّون!

*****

مع كل كلمة تخطّها على الورق، ينضح جبينها حبة عرق بارد.. تقل نبضات قلبها واحدة.. و يرتفع صخب الألم بمقدار 100 ديسيبل/كلمة... فتشعر بصمم الموت، لا الموت نفسه.... فكما قلنا، إنه لا يأتي - أبداً - مرتين...

*****

على مدار السنين، زارها الموت مرتدياً العديد من الأقنعة.. حرقاً، صعقاً، غرقاً، و سقوط من علٍ... و عن طريق خطف عزيز و حبيب لا يعوض غيابه أحد، فيقتطع من جسدها/روحها جزءاً لا يمكن استبداله، فكأنها ستموت بالـ"قطعة"... و على هذه الصور، صارت و الموت "معرفة قديمة".

و لكن يظل "الموت ألماً" هو منجز المهمة الفعلي.. فبغض النظر عن الـ"معرفة القديمة" و برغم أنه كان الأشد وطأة، إلا أنه - باحترافية تستحق الاحترام - يقوم بالمهمة على الوجه الأكمل ... ببطء... و على مراحل .. و بمنتهى الفاعلية...

*****

ظلمتك حين قلتُ عنْك أنك "وجهي القبيح"... "أنا" هو وجهي القبيح الحقيقي.. و الأكثر مدعاة للعار........

*****

ترقب القطة الغافية بجوارها على الفراش، و التي، برغم نومها، تمد قوائمها لتتلمسها و تأتنس بوجودها... تفكر:"أنتِ الكائن الوحيد على هذه الأرض الذي يحبني - حقاً - لوجه الله.. برغم أني لا أقدم لكِ أي شيء سوى أني أناديكِ دوماً لتجلسي أو تغفي بجواري لأأتنس بوجودك و أتخفف من عبء وحدتي قليلاً أو اخدع نفسي بذلك على الأقل.. ألهذا تحبينني؟! و هل للـ"ونس" هذا القدر من الأهمية في حياة أي روح، فيجعلها "تحب" من تأتنس به؟!

عموماً، أشكرك يا قطتي على حبك، أياً كانت بواعثه... أشكرك على ماتمنحيني من الونس مما عجز عنه بنو الـ"بشر"

*****

حين تبطيء سرعتي في الكتابة، أعلم أن الجرح قد استنزف دمه حتى مداه.. حتى حافة الموت الذي لا يأتي أبدا مرتين .. و أنه لم يبق منه سوى ما يكفي لمواصلة المسير كـ"زومبي" حتى يأتي الـ"معرفة القديمة" لزيارتي مجدداً فأكتشف أن هناك مزيد من الدماء لـ تُنزف...