عشوائية

أتساءل: ما الذي تفعله امرأة تشعر انها بالصدفة، بالصدفة المحضة، بقيت على قيد الحياة؟ كيف تسلك في الدنيا إن كان وجودها، كل السنين والشهور والأيام واللحظات الحلوة والمُرّة التي عاشتها، فضلَة حركة عشوائية لقدر غريب؟ كيف تسلك في الدنيا؟"


د. رضوى عاشور

Monday, July 9, 2012

هكذا قالت الجبال

سانت كاترين - جنوب سيناء
"لتتعلم أيها الفاني، عليك أن تنزل من فوق صهوة غرورك و تجلس كتلميذ متهيب في صمت و تستمع لما سنعلمه لك"

             هكذا قالت الجِبَال

         ************





تعلَّم أيها الفاني:

أن تدرك حجمك على هذه الأرض و تدرك قيمتك عليها.. انت لا تعدو كونك مجرد ذرة.. و لكن سُخِر الكون كله لها.. فاخشع ولا تتجبّر

أن تدرك "عقلك" ولماذا أوتيتهُ.. فلأنك لا تصلح للعيش على هذه الأرض بامكانيات جسدك وحدها، منحت عقلاً يغلبك على عجز الجسد .. فاخشع و لا تهمله

أن تدرك قيمة شهيقك و زفيرك.. ذلك الفعل الذي تأتيه كل ثانية بدون إرادة عادة، قد لا تستطيع اتيانه ولو أردت.. فاخشع ولا تضيعه

ان ترى الثمر يخرج من قلب الصخر.. فتتحسس موضع القلب منك.. هل صار صخرا بعد؟! إذن سيثمر الزهر منه عما قليل ... فاخشع ولا تقنط

ان ترى الماء يجري من عل فيشق لنفسه طريقا من قلب الصخر، ليأتيك بردا و سلاماً من القيظ.. فتشرب و تقر عينا ويغيب عنك الظمأ بعدها وقتاً طويلا.. أتاك الماء من قلب الصخر ليرويك من حيث لا انت ولا الصخر احتسبتم... فاخشع ولا تهدره

ان تدرك ان ليس كل الظل ظلاما.. ستستحث الظل للحظة كي تحتمي فيه من لفح الشمس.. و ستلهث خلف ظلك لتدرك انك موجود على هذه الأرض ولست وهماً .. فلتستحضر معنى "يوم لا ظل إلا ظله" و تشكر الظل على وجوده.. فحيث وُجد وُجدت انت.. فاخشع ولا تحقره

أن تتخذ من الخطو على الصخر طريقاً مهما بدا مستحيلاً.. فبامكانك الاعتماد عليه بقدميك او حتى يديك لتتحرك للأمام.. أما الحصى و الرمل، برغم البساطة و السهولة البادية فيهما،فسيحملاك خطوة، و ينهارا تحت قدميك لترجع للوراء خطوتين.. فاخشع ولا تنهره

 ان تتساءل "أترى لخطواتك أثرا؟!" إنك فانٍ، و كذا خطواتك إن لم يكن لها الوقع الذي يحفرها على وجه الصخر.. أثرك/ عمرك فانٍ، فاخشع ولا تهدره

أن ترقب خطوك جيدا ان اردت ألا تزلّ قدمك.. الطريق ليس صديقا كما قد تظن، كما انه ليس بعدو ... إنما انت عليه ضيف، فلتظهر الاهتمام و الاحترام.. فاخشع ولا تستيسره

أن تدرك ان الطريق لم يخلق بكل تفاصيله عبثاً.. لأنك فانٍ، فانت تظن انه مسار للانتقال بين نقطتين.. تلك مهمة محدودة لمحدودي البصيرة.. للطريق لغة تدركها حين تدرك تفاصيله من حولك.. توقف قليلا أثناء سعيك.. تأمل تفاصيل الطريق و لا تكن ضيفاً ضريراً.. فاخشع و ابصره

ان ترفع عينيك للسماء.. كيف رُفِعت.. و مدى بعدك/اقترابك عنها و منها.. أتبعد عنك بقدر دعوة؟ بقدر لحظة تأمل؟ بقدر دمعة تفر من عينيك خجلا؟ أتخشاها ام تتمناها؟... ارفع عيناك لها..  و اخشع و اقترب

أن تدرك انك مسموع لنا و لو همست.. و لو أسررت لنفسك... نسمعك، فتكلم.. نسمعك، فتألم.. نسمعك، فتأكد أن سرك محفوظ في قلب الصخر.. لما ننوء به يخرج ثمرا و ماء.. وجدنا كي نعلمك ان من قلب الظلمات يخلق النور.. و من قلب الصخر يخرج الثمر .. و من قلب الألم يخرج الإيمان.. فاخشع و تقبل ألمك

ندرك ان ألمك يصقل روحك.. فلا تغضب.. المشقة تصنع منك إنساناً.. و الإنسان يصنع المستحيلات.. بالمشقة تمكن اجدادك من شق طريق بين جلاميد الصخر و لم يقنطوا.. تذكر السابقين و ما كابدوه حتى تسير اليوم مختالا فخورا في طريق كنت تظنه اليوم وعرا، فكيف كان وقت ان قهروه و مهدوه لأجلك؟ فاخشع و اسمو فوق ألمك

أن تدرك أن الموسيقى لغة الكون.. و لغة جسدك.. كلما أوغلت فيها أوغلت فيك.. أعطتك من مفرداتها كلمات، و جُمَّل تكشف لك سر الكون.. و سر نفسك.. فاخشع و استمع

ان تمد يديك إلى الرزق.. حين ترى الثمار تميل عليك بفروعها، و تعطرك بشذاها، لا تردها خائبة... تذوق الخير ولا تسرف.. فلا أطيب من ثمر نما في الخفاء و تحدى البرد و القيظ و الوِحدة من أجلك.. فاخشع و استطيبه

و تعلم أيها الفاني، .. الموت مُدركك حتى و لو بين أضلع الجبال..  ان تمُتْ في الجبال، فلا اسم لك عند البشر.. و لكنا نحن سنعرفك.. سنحفظك.. سنؤنس وحدتك.. و سنبعث سيرتك في ترانيمنا للسماء.. فاخشع و اتعظ
تعلَّم ان تُسلّم حين تمر ببيوت قوم.. حتى لو كانت آخر مثواهم على الأرض و ادعُ ربك أن يكون لك بيتاً  حتى و لو بين صخر الجبال، يمر به العابرون كراماً فيُسَّلِمون.. و اشكر نعمته عليك إذ يجعل لك على الأرض أحبة يتذكرونك.. حتى بكتابة اسمك على شاهد حجري يشهد على وجودك يوما ما على هذه الأرض.. اشكر نعمته عليك إذ يجعل موتك معلوما و لو من نفس واحدة على الأرض تبكيك يوم ترقد في آخر منازلك عليها..و ربما تذكرك كل حين بسلامٍ على البعد.. و اشكر نعمته عليك إذا بعث لك في قلب الجبل غريبا يمر بظله فوق قبرك فيجعل من ظله عباءة.. فاخشع و سَلِّم و اشكر و اعتبر

ان تدرك ان للصخر القاسي قلب.. لا يشبه قلبك.. قلب لا ينسى.. يُنبت الثمر و يُجري الماء.. قلب يشعر بوحدتك أيها الفاني و لهذا تكلمنا إليك.. فاخشع و استمع

انزل ايها الفاني من فوق صهوة غرورك.. فلولانا لمادت بك الأرض... فاخشع و ابتهل

***

هكذا قالت الجِبَال..