عشوائية

أتساءل: ما الذي تفعله امرأة تشعر انها بالصدفة، بالصدفة المحضة، بقيت على قيد الحياة؟ كيف تسلك في الدنيا إن كان وجودها، كل السنين والشهور والأيام واللحظات الحلوة والمُرّة التي عاشتها، فضلَة حركة عشوائية لقدر غريب؟ كيف تسلك في الدنيا؟"


د. رضوى عاشور

Monday, July 27, 2015

إخوة يوسف

أوقات -زي النهاردة كده- بتلح عليا الفكرة دي:

هو انا ما بقاش ليا اخوات عشان انا كده؟ ولا انا كده عشان ماليش اخوات؟

ايه الحكاية؟!

الحكاية اني اتولدت وحيدة.. سبقني اختين وتوفاهم الله، حتى ماشوفتهمش.. ربنا يجعلهم في ميزان حسنات والديّ.. 

موقف وسؤال اتكرروا كتير وما زالوا بيتكرروا:

 "- هو انت مالكيش اخوات بنات؟!
 - آه.. ولا ولاد!
- إيه ده!!!! انتِ وحيدة؟!!!! (بتعبيرات دهشة وتعجب واحتمال فزع)
- باين كده!
- ممم (مع تعبيرات أسى بيتحول تدريجيا لشفقة وبعدين لخفة ظل) تبقي أكيد متدلعة!"

مع ان أي حد يعرفني او شافني بس حتى هايحلف على البحر يجمد اني لا دلوعة ولا باطيق الدلع.. بس هي متلازمة "وحيدة/متدلعة" بيتجي مع بعضها زي شوكولاتة وفانيليا كده.. مع انه طلع فيه كوكتيلات تانية، بس هو كده!  

وكنت زمان اتعصب جدا لما حد يقولي "متدلعة" دي!! يعني إديني أمارة واحدة على الدلع ده؟!! 

لكن لما كبرت شوية وبصيت ورايا على السنين لقيت اني اتدلعت اه!

لو كان ليا اخوات ماكانش هيجيلي تلات فساتين في العيد الصغير واربعة في العيد الكبير، فستان لكل يوم.. 
لو كان ليا اخوات ماكنتش هادخل مدرسة محترمة اتعلم فيها تعليم محترم.. 
لو كان ليا اخوات ماكانش بقى كل دخل الأسرة مخصص ليا عشان تعليمي ولبسي وعلاجي وشرا الكتب..

ولحد دلوقتي.. وبعد وفاة ابويا بتمنتاشر سنة.. وشوية الحاجات المادية اللي سابهالنا،

لو كان ليا اخوات ماكناش خدنا قرار العزال بسهولة كده
لو كان ليا اخوات ماكنتش اخدت فلوس دراسات عليا من أمي بسهولة كده
لو كان ليا اخوات ماكنتش اخدت فلوس مقدم العربية من أمي أصلا

لو كان ليا اخوات حاجات كتيرة جدا ماكانتش هاتحصل واتضح بعد فترة انها في مصلحتي.. 

رغم اني كنت - واحيانا دلوقتي كمان-  بافكر ان؛

لو كان ليا اخوات كنا اتقاسمنا في فلوس هدية عيد الأم/عيد ميلاد ماما.. وعيد ميلاد بابا
لو كان ليا اخوات كنا لبسنا من هدوم بعض.. بنات ولا ولاد.. 
لو كان ليا اخوات -بنات- كنا هانتخانق ع السيشوار والجزم والشنط والطرح.. بس احتمال برضه كنا نقعد نسرح شعر بعض تسريحات حلوة.. أو نجرب ألوان الماكياج على بعض..  
لو كان ليا اخوات كنا اتقاسمنا في العقاب وساعات المذاكرة وساعات المراقبة جوة البيت وبراه بدل ما كله كان على نافوخي لوحدي!
لو كان ليا اخوات كنا اتقاسمنا الحزن والمسئولية والشيلة والغضب لما ابويا مات

لو كان ليا اخوات حاجات كتيرة كانت ممكن تحصل وتطلع برضه في مصلحتي.. 

لكن.. الدنيا قاعدة بتتفرج عليا طبعا انا مش قاعدة لوحدي! 

تبعت لي مواقف أشوف فيها اخوات.. أبكي على حالي ووحدتي وأقول يا ريتني كان ليا اخوات.. وانا هاعمل ايه لما بعد عمر طال او قصر أبقى فعلا لوحدي؟ مش كانوا يبقوا لي سند ووَنس برضه؟!

ايه؟ صعبت عليا نفسي؟ صعبت عليا وحدتي؟!

تروح بعدها باعتة لي مواقف اشوف فيها اخوات... أبكي على حالهم.. ووحدتهم والاسم ليهم اخوات.. ناسيين بعض، واكلين حقوق بعض، قاطعين الرحم، متآمرين على بعض كأنهم أعداء.. أقول الحمدلله اني ماليش اخوات
  
فييجي المشهد اللي بعدها على طول.. أصحاب أقرب من الاخوات.. الاصحاب دول اللي بيحسوا بيك من غير ما تتكلم.. اللي فجأة يهلوا يسألوا عليك كده ولا يقولوا لك تعالى نخرج وفي قعدتنا سوا ننسى الدنيا وما فيها.. اللي من غير مناسبة يجيبوا لك حاجة كان نفسك فيها او بتدور عليها.. وفي المناسبة يجيبوا لك حاجة أهم/أصعب/ أغلى من اللي قبلها.. وَنس ما بعده ولا قبله.. صحبة تطيب الخاطر وتشفي الروح وتجبر القلب.. 

أقول الحمدلله على نعمة وجودهم في حياتي.. ونس وصحبة.. رزق من ربنا.. 

فارجع أفكر.. طيب هو انا ما بقاش ليا اخوات عشان انا كده؟ ولا انا كده عشان ماليش اخوات؟

"كل ميسر لما خلق له" ده الأكيد.. الأكيد ان ربنا اللي خلقني وصورني أدرى بيا مني.. رزقني على قد امكانياتي.. 

ماهو انا ما باستحملش حد يبقى في وشي طول الوقت برضه، مش هانكر! ولو استحملت بابقى خلقي ضيق!
ولا باستحمل حد يعمل حاجة يبقى ماليش مزاج ليها دلوقتي، ولا تتعارض مع اللي انا عايزاه، مش هانكر! ولو استحملت، هاتقوم تلاتين خناقة!

باحتاج مساحتي اللي لا يتعارض معاها وجود/حاجات الآخرين.. وطبعا ده كان هاينتفى لو كان بقى ليا اخوات (ولا هي مساحتي دي طلعت عشان انا اصلا ماليش اخوات؟!)

مش عارفة.. بس الأكيد اني؛

ماكنتش هاستحمل يبقى لي اخوات ناسيين وجودي وانا حية.. والأفظع، وانا ميتة.. 
ماكنتش هاستحمل يبقى لي اخوات واكلين حقي.. جبروت منهم أو ضعف مني..
ماكنتش هاستحمل يبقى لي اخوات ينسوا حق الدم اللي بيننا.. 

ماكنتش هاستحمل يبقى لي اخوات زي إخوة يوسف.. لأني ماعنديش تسامح يوسف ولا محبته.. في حين ان اخواته ماليين الدنيا حواليا..  

ساعتها وحدتي كانت هاتبقى أكبر.. 

وعليه، فسواء كنت طلعت كده عشان ماليش اخوات او ماليش اخوات عشان كنت هاطلع كده، أحب اقول:

اللهم ارزقني بعِلم يوسف، وعزيمته، واخلاصه، واعتصامه وعصمته، وارزقني صبره الجميل، وجمّلني بجمال أخلاقه وحلاوة روحه.. واصرف عني اخوته ومن على شاكلتهم ومن اتبع خطاهم ومن اتخذ فتنة الدنيا قرينا.. واكفني شر أن يلقى بي في جُب من نسيان بلا قرار حية أرزق أو وحيدة في لحد.. ارزقني من يذكرني ويؤنس وحشتي ولو ببعض كلمة